السيدمحمدعبدالدايم
عدد المساهمات : 60 نقاط : 116 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 09/01/2011
| موضوع: " " تَقْسِيمَاتُ الْفِقْهِ الأربعاء يوليو 18, 2012 1:06 pm | |
| تَقْسِيمَاتُ الْفِقْهِ :
لِلْفِقْهِ تَقْسِيمَاتٌ شَتَّى لِاعْتِبَارَاتٍ شَتَّى ، نَكْتَفِي مِنْهَا بِذِكْرِ التَّقْسِيمَاتِ الْآتِيَةِ :
أ - تَقْسِيمُ مَسَائِلِهِ بِاعْتِبَارِ أَدِلَّتِهِ :
42 - وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ :
أَوَّلُهُمَا : فِقْهٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى أَدِلَّةٍ قَطْعِيَّةٍ فِي ثُبُوتِهَا وَدَلَالَتِهَا ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ ، وَكَحُرْمَةِ الزِّنَى وَالرِّبَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِبَاحَةِ - ص 48 - الطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ .
وَثَانِيهِمَا : فِقْهٌ يَعْتَمِدُ عَلَى أَدِلَّةٍ ظَنِّيَّةٍ كَتَحْدِيدِ الْقَدْرِ الْمَمْسُوحِ مِنْ الرَّأْسِ ، وَالْقِرَاءَةِ الْمُتَعَيَّنَةِ فِي الصَّلَاةِ ، وَتَعْيِينِ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ذَاتِ الْحَيْضِ أَبِالطُّهْرِ أَمْ بِالْحَيْضِ ؟ وَهَلْ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ مُوجِبَةٌ لِتَمَامِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ ؟ . . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَكَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِأَدِلَّةٍ قَطْعِيَّةٍ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا تُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ فِقْهًا ، وَإِنْ اعْتُبِرَتْ فِي نَظَرِ الْفُقَهَاءِ .
ب - تَقْسِيمُ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ مَوْضُوعَاتِهِ :
43 - لَمَّا كَانَ عِلْمُ الْفِقْهِ هُوَ الْعِلْمَ الَّذِي تُعْرَفُ مِنْهُ أَحْكَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ ، اقْتِضَاءً أَوْ تَخْيِيرًا أَوْ وَضْعًا ، فَإِنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يَصْدُرُ عَنْ الْعِبَادِ . وَبِهَذَا تَعَدَّدَتْ مَوْضُوعَاتُهُ ، فَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ عَلَاقَةَ الْعَبْدِ بِاللَّهِ تَعَالَى سُمِّيَتْ بِالْعِبَادَاتِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ بَدَنِيَّةً مَحْضَةً وَهِيَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ ، أَوْ مَالِيَّةً مَحْضَةً وَهِيَ الزَّكَاةُ ، أَوْ مِنْهُمَا وَهِيَ فَرِيضَةُ الْحَجِّ . وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ الْأُسْرَةَ مِنْ زَوَاجٍ وَطَلَاقٍ وَنَفَقَةٍ وَحَضَانَةٍ وَوِلَايَةٍ وَنَسَبٍ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهَا الْآنَ فِقْهُ الْأَحْوَالِ الشَّخْصِيَّةِ ، وَأَلْحَقُوا بِهَا الْوَصَايَا وَالْإِرْثَ لِاتِّصَالِهِمَا الْوَثِيقِ بِأَحْكَامِ الْأُسْرَةِ .
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَشَرِكَةٍ - بِكُلِّ صُوَرِهَا - وَرَهْنٍ وَكَفَالَةٍ وَوَكَالَةٍ وَهِبَةٍ وَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ ، قَدْ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا الْآنَ اسْمَ الْقَانُونِ الْمَدَنِيِّ أَوِ التِّجَارِيِّ .
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ الْقَضَاءَ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ طُرُقِ الْإِثْبَاتِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اسْمَ قَانُونِ الْمُرَافَعَاتِ .
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ عَلَاقَةَ الْحَاكِمِ بِالْمَحْكُومِينَ ، وَالْمَحْكُومِينَ بِالْحَاكِمِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا الْآنَ اسْمَ الْقَانُونِ الدُّسْتُورِيِّ .
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي نَظَّمَتْ عَلَاقَةَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِهِمْ سِلْمًا وَحَرْبًا قَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ الْقُدَامَى اسْمَ السِّيَرِ ، وَسَمَّاهَا الْمُحْدَثُونَ بِاسْمِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ . - ص 49 -
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَنَاوَلُ تَصَرُّفَاتِ الْعِبَادِ فِي مَأْكَلِهِمْ وَمَلْبَسِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ مَسَائِلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ .
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي حَدَّدَتِ الْجَرَائِمَ وَالْعُقُوبَاتِ قَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا فُقَهَاؤُنَا اسْمَ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ وَالتَّعْزِيرَاتِ ، وَسَمَّاهَا الْمُحْدَثُونَ بِاسْمِ الْقَانُونِ الْجَزَائِيِّ أَوِ الْجِنَائِيِّ .
وَمِنْ هَذَا الْبَيَانِ الْمُخْتَصَرِ يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ الْفِقْهَ تَنَاوَلَ كُلَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْإِنْسَانِ ، فَلَيْسَ قَاصِرًا - كَمَا يَزْعُمُ الْبَعْضُ - عَلَى تَنْظِيمِ عَلَاقَةِ الْإِنْسَانِ بِرَبِّهِ ، فَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ إِمَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ بِالْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ وَمَوْضُوعَاتِهِ .
ج - تَقْسِيمُ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ حِكْمَتِهِ :
44 - تَنْقَسِمُ مَسَائِلُ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إِدْرَاكُ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ فِيهِ أَوْ عَدَمُ إِدْرَاكِهَا إِلَى قِسْمَيْنِ :
أَوَّلُهُمَا : أَحْكَامٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى ، وَقَدْ تُسَمَّى أَحْكَامًا مُعَلَّلَةً ، وَهِيَ تِلْكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي تُدْرَكُ حِكْمَةُ تَشْرِيعِهَا ، إِمَّا لِلتَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ ، أَوْ يُسْرِ اسْتِنْبَاطِهَا . وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ هِيَ الْأَكْثَرُ فِيمَا شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، حَيْثُ : لَمْ يَمْتَحِنَّا بِمَا تَعْيَا الْعُقُولُ بِهِ حِرْصًا عَلَيْنَا فَلَمْ نَرْتَبْ وَلَمْ نَهِمْ وَذَلِكَ كَتَشْرِيعِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ ، وَكَتَشْرِيعِ إِيجَابِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ ، وَالْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ ، وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ ، وَكَتَشْرِيعِ الطَّلَاقِ عِنْدَمَا تَتَعَقَّدُ الْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ . . . إِلَى آلَافِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ .
وَثَانِيهِمَا : أَحْكَامٌ تَعَبُّدِيَّةٌ ، وَهِيَ تِلْكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي لَا تُدْرَكُ فِيهَا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ كَعَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَكَأَكْثَرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ . وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْمَعْقُولَةِ الْمَعْنَى .
وَتَشْرِيعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ التَّعَبُّدِيَّةِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ اخْتِبَارُ الْعَبْدِ هَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ حَقًّا ؟ .
- ص 50 - وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ فِي أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا لَمْ تَأْتِ بِمَا تَرْفُضُهُ الْعُقُولُ ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَأْتِي بِمَا لَا تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ ، وَشَتَّانَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، فَالْإِنْسَانُ إِذَا اقْتَنَعَ - عَقْلِيًّا - بِأَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ وَأَنَّهُ حَكِيمٌ وَأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ لِلرُّبُوبِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَاقْتَنَعَ - عَقْلِيًّا - بِمَا شَاهَدَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَالْأَدِلَّةِ ، بِصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ قَدْ أَقَرَّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْحَاكِمِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ ، وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ ، فَإِذَا مَا أُمِرَ بِأَمْرٍ ، أَوْ نُهِيَ عَنْ شَيْءٍ ، فَقَالَ : لَا أَمْتَثِلُ حَتَّى أَعْرِفَ الْحِكْمَةَ فِيمَا أُمِرْتُ بِهِ أَوْ نُهِيتُ عَنْهُ ، يَكُونُ قَدْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فِي دَعْوَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَإِنَّ لِلْعُقُولِ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ إِدْرَاكُهَا ، كَمَا أَنَّ لِلْحَوَاسِّ حَدًّا تَقِفُ عِنْدَهُ لَا تَتَجَاوَزُهُ .
وَمَا مَثَلُ الْمُتَمَرِّدِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى التَّعَبُّدِيَّةِ إِلَّا كَمَثَلِ مَرِيضٍ ذَهَبَ إِلَى طَبِيبٍ مَوْثُوقٍ بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ ، فَوَصَفَ لَهُ أَنْوَاعًا مِنْ الْأَدْوِيَةِ ، بَعْضَهَا قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْضَهَا أَثْنَاءَهُ وَبَعْضَهَا بَعْدَهُ ، مُخْتَلِفَةَ الْمَقَادِيرِ ، فَقَالَ لِلطَّبِيبِ : لَا أَتَعَاطَى دَوَاءَكَ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِ هَذَا قَبْلَ الطَّعَامِ وَهَذَا بَعْدَهُ ، وَهَذَا أَثْنَاءَهُ ، وَلِمَاذَا تَفَاوَتَتِ الْجَرْعَاتُ قِلَّةً وَكَثْرَةً ؟
فَهَلْ هَذَا الْمَرِيضُ وَاثِقٌ حَقًّا بِطَبِيبِهِ ؟ فَكَذَلِكَ مَنْ يَدَّعِي الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يَتَمَرَّدُ عَلَى الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُدْرِكُ حِكْمَتَهَا ، إِذْ الْمُؤْمِنُ الْحَقُّ إِذَا أُمِرَ بِأَمْرٍ أَوْ نُهِيَ عَنْهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ وَأَطَعْتُ ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَحْكَامٌ تَرْفُضُهَا الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ ، فَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ ، فَكَمْ مِنْ أَحْكَامٍ خَفِيَتْ عَلَيْنَا حِكْمَتُهَا فِيمَا مَضَى ثُمَّ انْكَشَفَ لَنَا مَا فِيهَا مِنْ حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ ، فَقَدْ كَانَ خَافِيًا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ حِكْمَةُ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا مَا يَحْمِلُهُ هَذَا الْحَيَوَانُ الْخَبِيثُ مِنْ أَمْرَاضٍ وَصِفَاتٍ خَبِيثَةٍ ، أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَحْمِيَ مِنْهَا الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ . وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ . . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَكْشِفُ الْأَيَّامُ عَنْ سِرِّ تَشْرِيعِهَا وَإِنْ كَانَتْ خَافِيَةً عَلَيْنَا الْآنَ .
| |
|