الْأَطْوَارُ الَّتِي مَرَّ بِهَا الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ :
13 - لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ أَنْ نَتَنَاوَلَ
تَارِيخَ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ بِالتَّفْصِيلِ ، فَإِنَّ لِهَذَا
عِلْمًا خَاصًّا عُرِفَ بِتَارِيخِ التَّشْرِيعِ ، أُفْرِدَتْ فِيهِ
الْمُؤَلَّفَاتُ . وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ نُلْقِيَ الضَّوْءَ عَلَى هَذَا
التَّارِيخِ لِيَكُونَ الْقَارِئُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ،
وَلِنُثْبِتَ اسْتِقْلَالَ هَذَا الْفِقْهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ فِقْهِ
الْأُمَمِ الْأُخْرَى .
وَقَدْ مَرَّتْ بِالْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ أَطْوَارٌ مُتَعَدِّدَةٌ
يَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ، وَيُؤَثِّرُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهَا
بِالْمُتَأَخِّرِ ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ هَذِهِ
الْأَطْوَارَ مُتَمَيِّزَةٌ مِنْ حَيْثُ الزَّمَنُ تَمْيِيزًا دَقِيقًا ،
اللَّهُمَّ إِلَّا الطَّوْرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ عَصْرُ النُّبُوَّةِ ،
فَإِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَمَّا بَعْدَهُ بِكُلِّ دِقَّةٍ ، بِانْتِقَالِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى
.
الطَّوْرُ الْأَوَّلُ : عَصْرُ النُّبُوَّةِ
14 - وَهُوَ فِي عَهْدَيْهِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ يَعْتَمِدُ
كُلَّ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْوَحْيِ ، حَتَّى إِنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي
اجْتَهَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ
اجْتَهَدَ فِيهَا أَصْحَابُهُ فِي حَضْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ ثُمَّ
عَلِمَهَا فَأَقَرَّهَا أَوْ أَنْكَرَهَا تَعْتَمِدُ - كَذَلِكَ - عَلَى
الْوَحْيِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنْ أَقَرَّ
هَذَا الِاجْتِهَادَ فَهُوَ تَشْرِيعٌ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ ، وَإِنْ
رَدَّهُ فَالْمُعْتَمَدُ عَلَى مَا أَقَرَّهُ الْوَحْيُ مِنْ تَشْرِيعٍ .
وَمَهْمَا قِيلَ فِي اجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نَفْيًا وَإِثْبَاتًا - فَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ قَدِ اجْتَهَدَ فِي
بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَحْيٌ ، فَأَحْيَانًا
يُقِرُّهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا الِاجْتِهَادِ ، وَحِينًا يُبَيِّنُ لَهُ
أَنَّ الْأَوْلَى غَيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ .
وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ لَمْ يَتَأَثَّرْ
بِفِقْهٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ هُنَا أَوْ هُنَاكَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيٌّ لَمْ يَجْلِسْ إِلَى
مُعَلِّمٍ قَطُّ ، وَقَدْ نَشَأَ فِي أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ لَا عَهْدَ لَهَا
بِالْقَانُونِ الرُّومَانِيِّ أَوْ غَيْرِهِ .
-
ص
24
- نَعَمْ كَانَتْ هُنَاكَ أَعْرَافٌ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا النَّاسُ ،
فَحِينًا نَجِدُ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْرَافِ قَدْ أَقَرَّهَا
الشَّارِعُ ، وَأَحْيَانًا نَجِدُ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَبْطَلَ هَذِهِ
الْأَعْرَافَ ، كَعُرْفِ التَّبَنِّي وَكَعُرْفِ الظِّهَارِ وَبَعْضِ
أَنْوَاعِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ
الْعَرَبِ ، وَكَالرِّبَا ، فَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ ، إِلَى غَيْرِ
ذَلِكَ ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَيُّ إِنْسَانٍ - مَهْمَا كَانَ مُغَالِيًا
فِي عَدَائِهِ لِلْإِسْلَامِ - أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ التَّشْرِيعَ فِي
هَذَا الْعَهْدِ قَدْ تَأَثَّرَ بِغَيْرِهِ مِنْ تَشْرِيعَاتِ الْأُمَمِ
السَّابِقَةِ .
وَلَمْ يُدَوَّنْ فِي هَذَا الْعَهْدِ إِلَّا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ .
وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَدْوِينِ غَيْرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَخْتَلِطَ عَلَى
النَّاسِ كَلَامُ اللَّهِ بِكَلَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَمَا وَقَعَ لِلْأُمَمِ السَّابِقَةِ ، حَيْثُ خَلَطُوا بَيْنَ
كَلَامِ اللَّهِ وَرُسُلِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ ،
وَاعْتَبَرُوهَا كُلَّهَا كُتُبًا مُقَدَّسَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ،
وَلَكِنْ أُذِنَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنْ يُدَوِّنُوا أَحَادِيثَهُ
الشَّرِيفَةَ ،
كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَقَدْ كَتَبَ مَا سَمِعَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَّى صَحِيفَتَهُ هَذِهِ بِـ " الصَّادِقَةِ " ،
وَأُذِنَ
لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنْ يَكْتُبَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِالدِّمَاءِ وَالدِّيَاتِ .
وَقَدِ انْتَقَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى بَعْدَ أَنْ مَكَثَ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ
رَبِّهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ، مِنْهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً
بِمَكَّةَ ، كَانَتْ مُهِمَّتُهُ الْأُولَى تَثْبِيتَ الْعَقِيدَةِ ، مَا يَتَّصِلُ
مِنْهَا بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوِ التَّدْلِيلِ عَلَى صِدْقِ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَا يَتَّصِلُ
مِنْهَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، كَمَا عُنِيَ فِي هَذَا الْعَهْدِ
بِالدَّعْوَةِ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالنَّهْيِ عَنْ أُمَّهَاتِ
الرَّذَائِلِ ، وَإِذَا كَانَ فِي الْعَهْدِ الْمَكِّيِّ بَعْضُ
الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ كَأَحْكَامِ الذَّبَائِحِ فَإِنَّ هَذِهِ
الْأَحْكَامَ لَهَا صِلَةٌ بِالتَّوْحِيدِ .
وَالْعَهْدُ الْمَدَنِيُّ هُوَ ذَلِكُمُ الْعَهْدُ الَّذِي تَوَالَتْ
فِيهِ التَّشْرِيعَاتُ الْعَمَلِيَّةُ بِكُلِّ مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ
الْكَلِمَةُ .
وَإِذَا كَانَ لَنَا أَنْ نَقُولَ فِي هَذَا الْعَهْدِ شَيْئًا
فَإِنَّنَا نُقَرِّرُ أَنَّ دُعَاةَ الْإِصْلَاحِ عَلَى مَدَى الْأَزْمَانِ
يَضَعُونَ نَظَرِيَّاتِهِمْ وَلَا يَعِيشُونَ لِيَرَوْا ثَمَرَةَ هَذِهِ
النَّظَرِيَّاتِ ، وَلَكِنَّ
-
ص
25
- الرَّسُولَ الْأَكْرَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى تَمَّ
التَّشْرِيعُ ، وَطَبَّقَهُ عَمَلِيًّا فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ ، سَوَاءٌ
مَا يَتَّصِلُ مِنْهُ بِالْأُسْرَةِ أَوْ نِظَامِ الْحُكْمِ أَوِ
الْمُعَامَلَاتِ الْمَدَنِيَّةِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَأَخْذٍ وَعَطَاءٍ .
وَصَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى إِذْ يَقُولُ : (
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا )
الطَّوْرُ الثَّانِي : عَهْدُ الصَّحَابَةِ :
15 - وَهَذَا الْعَهْدُ يَتَمَيَّزُ بِكَثْرَةِ الْأَحْدَاثِ الَّتِي
جَدَّتْ بَعْدَ عَهْدِ النُّبُوَّةِ ، لِكَثْرَةِ الْفُتُوحَاتِ
وَاخْتِلَاطِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي لَهَا
أَعْرَافٌ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ
الْعَرَبِ . وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ
الْجَدِيدَةِ ؛ لِأَنَّهُ - كَمَا كَرَّرْنَا مِرَارًا - لَيْسَ
هُنَاكَ حَادِثَةٌ إِلَّا وَلَهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ . وَكَانَ هَذَا
الْعَهْدُ يَتَمَيَّزُ بِوُجُودِ صَحَابَةٍ عُرِفُوا بِالْفِقْهِ ، فَكَانَ
يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ إِذَا نَزَلَتِ الْحَوَادِثُ . وَكَانَ مِنْهُمُ
الْمُكْثِرُونَ لِلْفُتْيَا وَهُمْ لَا يَتَجَاوَزُونَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ
شَخْصًا . نَذْكُرُ مِنْهُمْ :
عُمَرَ وَعَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إِلَخْ . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا .
وَلَوْ جُمِعَتْ فَتَاوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَكَانَتْ سِفْرًا عَظِيمًا . وَمِنْهُمُ الْمُتَوَسِّطُونَ
كَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَإِنَّمَا قَلَّ مَا نُقِلَ عَنْهُ عَمَّنْ
جَاءَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ تَطُلْ حَيَاتُهُ بَعْدَ وَفَاةِ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ مَاتَ فِي السَّنَةِ
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ لِلْهِجْرَةِ ، وَكَانَ هَمُّهُ إِطْفَاءَ فِتْنَةِ
الْمُرْتَدِّينَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ ثُمَّ تَوْجِيهَ الْجُيُوشِ
الْإِسْلَامِيَّةِ إِلَى
الرُّومِ وَالْفُرْسِ ، وَمِنْهُمْ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ فَتَاوِيهِمْ لَبَلَغَتْ كُرَّاسَةً أَوْ كُرَّاسَتَيْنِ .
وَهُنَاكَ مَنْ أُثِرَ عَنْهُ الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةٍ أَوْ
مَسْأَلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ . وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي
اجْتِهَادِهِ عَلَى رُوحِ التَّشْرِيعِ مَتَى سَاعَدَتْهُ النُّصُوصُ .
وَيُعْتَبَرُ إِمَامُ هَذَا
-
ص
26
- الْمَذْهَبِ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ تِلْمِيذُهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَلْتَزِمُ الْحَرْفِيَّةَ ،
كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
وَفِي صَدْرِ هَذَا الْعَهْدِ ، وَبِالتَّحْدِيدِ فِي عَهْدِ الشَّيْخَيْنِ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَدَّ مَصْدَرٌ ثَالِثٌ سِوَى الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ كَانَ مَرْجِعًا لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا ، أَلَا وَهُوَ
الْإِجْمَاعُ ، فَقَدْ كَانَ إِذَا نَزَلَتِ الْحَادِثَةُ يَسْتَدْعِي
الْخَلِيفَةُ مَنْ عُرِفُوا بِالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَكَانُوا
مَعْرُوفِينَ مَشْهُورِينَ مَحْصُورِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، فَيَعْرِضُ
عَلَيْهِمْ الْأَمْرَ ، فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى رَأْيٍ كَانَ ذَلِكَ
إِجْمَاعًا لَا يَسُوغُ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوهُ .
وَمَهْمَا شَكَّكَ الْمُشَكِّكُونَ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ أَوْ
إِمْكَانِهِ فَقَدْ وَقَعَ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِهِ ،
كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ الصَّحِيحَةِ
السُّدُسَ إِذَا انْفَرَدَتْ ، وَاشْتِرَاكِ الْجَدَّاتِ فِيهِ إِذَا
تَعَدَّدْنَ ، وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى حُرْمَةِ تَزْوِيجِ
الْمُسْلِمَةِ لِلْكِتَابِيِّ مَعَ حِلِّ تَزَوُّجِ الْمُسْلِمِ
لِلْكِتَابِيَّةِ . وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَمْعِ الْقُرْآنِ
فِي الْمَصَاحِفِ ، وَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي عَهْدِ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا .
وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ بَعْدَ عَهْدِ الشَّيْخَيْنِ دَعْوَى تَفْتَقِرُ
إِلَى دَلِيلٍ ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ
انْتَشَرُوا فِي الْآفَاقِ وَتَفَرَّقُوا فِي الْأَمْصَارِ ، وَغَايَةُ مَا
يَسْتَطِيعُ الْفَقِيهُ أَنْ يَقُولَ : لَا أَعْلَمُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا .
وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ
الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ قَوْلٌ عَارٍ عَنْ الصِّحَّةِ ، فَغَايَةُ مَا
نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ ،
فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ عَهْدِ الشَّيْخَيْنِ .
وَفِي هَذَا الْعَهْدِ لَمْ يُدَوَّنْ إِلَّا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ
أَيْضًا ، وَكَانَتِ السُّنَّةُ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ فِي الْمَسَائِلِ
الْمُسْتَحْدَثَةِ تُنْقَلُ حِفْظًا فِي الصُّدُورِ ، اللَّهُمَّ إِلَّا
أَنَّ الْبَعْضَ كَانَ يُدَوِّنُ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِنَفْسِهِ
لِتَكُونَ تَذْكِرَةً لَهُ .
وَفِي آخِرِ عَهْدِ الصَّحَابَةِ أَطَلَّتِ الْفِتْنَةُ بِقَرْنَيْهَا بِقَتْلِ الْخَلِيفَةِ ذِي النُّورَيْنِ
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ تِلْكَ الْأَحْدَاثُ الْعِظَامُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي عَهْدِ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،
-
ص
27
- وَكَانَ مَا كَانَ مِنْ وُجُودِ الْفُرْقَةِ الَّتِي لَا
زِلْنَا نَكْتَوِي بِنَارِهَا إِلَى الْيَوْمِ . وَبَدَأَ بَعْضُ
الْمُتَعَصِّبِينَ يُسَوِّغُونَ آرَاءَهُمْ بِوَضْعِ أَحَادِيثَ
يَرْفَعُونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَوْ إِلَى كِبَارِ الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ
الْمُتَعَصِّبُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ بَلْ كَانُوا مِنْ الطَّبَقَةِ
التَّالِيَةِ الَّذِينَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ .
وَفِي هَذَا الْعَهْدِ لَمْ يَتَأَثَّرْ الْفِقْهُ بِالْقَوَانِينِ
الرُّومَانِيَّةِ أَوِ الْفَارِسِيَّةِ . وَإِذَا كَانَ الصَّحَابَةُ قَدْ
اقْتَبَسُوا بَعْضَ التَّنْظِيمَاتِ الْإِدَارِيَّةِ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ
أُولَئِكَ ، فَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ الْخَطِّ
الْمَرْسُومِ ، وَهُوَ رَدُّ الْأَحْكَامِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ
رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا بِطَرِيقٍ مُبَاشِرٍ ،
وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْإِجْمَاعِ أَوِ الْقِيَاسِ أَوِ الِاسْتِصْلَاحِ ،
فَقَدْ أَبْطَلَ الْمُسْلِمُونَ أَعْرَافًا كَانَتْ شَائِعَةً فِي
الْبِلَادِ الْمَفْتُوحَةِ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ التَّشْرِيعَ
الْإِسْلَامِيَّ نَصًّا وَرُوحًا .
الطَّوْرُ الثَّالِثُ : طَوْرُ التَّابِعِينَ
16 - وَهَذَا الطَّوْرُ امْتِدَادٌ لِعَهْدِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ ،
وَقَدْ اشْتَرَكَ أَكْثَرُهُمْ فِي حُرُوبِ الْفِتْنَةِ . وَلَكِنَّ هَذَا
الْعَهْدَ تَمَيَّزَ بِوُجُودِ مَدْرَسَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا
بِالْحِجَازِ ، وَالْأُخْرَى
بِالْعِرَاقِ . فَأَمَّا مَدْرَسَةُ
الْحِجَازِ فَكَانَ اعْتِمَادُهَا فِي الِاجْتِهَادِ عَلَى نُصُوصٍ مِنْ كِتَابٍ
وَسُنَّةٍ ، وَلَا تَلْجَأُ إِلَى الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ إِلَّا نَادِرًا ،
وَذَلِكَ لِوَفْرَةِ الْمُحَدِّثِينَ هُنَاكَ ، إِذْ هُوَ مَوْطِنُ
الرِّسَالَةِ ، وَفِيهِ نَشَأَ
الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، وَسِلْسِلَةُ الرُّوَاةِ عِنْدَهُمْ قَصِيرَةٌ ، إِذْ لَا يَتَجَاوَزُ
التَّابِعِيُّ فِي تَحْدِيثِهِ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَكْثَر مِنْ رَاوٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الصَّحَابِيُّ غَالِبًا .
وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عُدُولٌ ثِقَاتٌ .
وَكَانَتْ هَذِهِ الْمَدْرَسَةُ
بِالْمَدِينَةِ يَتَزَعَّمُهَا أَوَّلًا :
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَمِنْ بَعْدِهِ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ ، وَأُخْرَى
بِمَكَّةَ ، وَكَانَ يَتَزَعَّمُهَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ . وَحَمَلَ الْأَمَانَةَ بَعْدَهُ تَلَامِيذُهُ
كَعِكْرِمَةَ مَوْلَاهُ
وَابْنِ جُرَيْجٍ .
أَمَّا الْمَدْرَسَةُ الْأُخْرَى - وَهِيَ مَدْرَسَةُ
الْعِرَاقِ - فَكَانَتْ تَلْجَأُ إِلَى الرَّأْيِ كَثِيرًا . وَالرَّأْيُ عِنْدَهُمْ
يَرْجِعُ إِمَّا إِلَى الْقِيَاسِ الْأُصُولِيِّ ، وَهُوَ إِلْحَاقُ
مَسْأَلَةٍ لَا نَصَّ
-
ص
28
- فِيهَا بِمَسْأَلَةٍ فِيهَا نَصٌّ شَرْعِيٌّ ، لِعِلَّةٍ
جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا ، وَإِمَّا رَدُّ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَحْدَثَةِ
إِلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْعَامَّةِ ؛ لِأَنَّ أَسَاتِذَةَ
هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ شَدَّدُوا فِي الرِّوَايَةِ ، نَظَرًا لِأَنَّ
الْعِرَاقَ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَوْطِنَ الْفِتَنِ ، فَفِيهِ
الشُّعُوبِيُّونَ الَّذِينَ يُكِنُّونَ الْعَدَاءَ لِلْإِسْلَامِ ، وَلَكِنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِكَرَاهِيَتِهِمْ
لِلْعَرَبِ ، وَمِنْهُمْ الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ لَا يَفْتَئُونَ يُثِيرُونَ الشُّبُهَاتِ ، وَمِنْهُمْ غُلَاةُ
الرَّافِضَةِ الَّذِينَ بَالَغُوا فِي حُبِّ
عَلِيٍّ حَتَّى جَعَلُوهُ إِلَهًا أَوْ شِبْهَ إِلَهٍ ، وَمِنْهُمُ
الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ
عَلِيًّا وَشِيعَتَهُ ، بَلْ وَيَسْتَبِيحُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ
عَلَى غَيْرِ نِحْلَتِهِمْ ، وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ . . . فَكَانَ
الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ يَتَحَرَّوْنَ فِي الرِّوَايَةِ ،
وَيُدَقِّقُونَ فِيهَا ، وَيَضَعُونَ شُرُوطًا لَمْ يَلْتَزِمْهَا أَهْلُ
الْحِجَازِ .
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا عَمَلَ الصَّحَابِيِّ أَوِ
التَّابِعِيِّ بِغَيْرِ مَا رَوَى قَدْحًا فِي رِوَايَتِهِ .
فَيَحْمِلُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ أَوْ
مُؤَوَّلَةٌ . وَكَذَلِكَ يَعْتَبِرُونَ أَنَّ انْفِرَادَ الثِّقَةِ
بِرِوَايَةٍ فِي مَسْأَلَةٍ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى قَدْحٌ فِي
رِوَايَتِهِ ، وَيَحْمِلُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّهَا إِمَّا
مَنْسُوخَةٌ أَوْ خَطَأٌ مِنْ الرَّاوِي عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ ؛
لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَاشَوْنَ وَصْفَ الثِّقَاتِ بِتَعَمُّدِ
الْكَذِبِ ، فَالْعَدْلُ قَدْ يَنْسَى أَوْ يُخْطِئُ .
وَمِنْ هُنَا كَثُرَ اعْتِمَادُ فُقَهَاءِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ عَلَى
الْأَخْذِ بِالرَّأْيِ فِيمَا يَجِدُّ لَهُمْ مِنْ أَحْدَاثٍ ، اللَّهُمَّ
إِلَّا إِذَا ثَبَتَتْ عِنْدَهُمْ سُنَّةٌ لَا شَكَّ فِيهَا ، أَوْ كَانَ
احْتِمَالُ الْخَطَأِ فِيهَا احْتِمَالًا ضَعِيفًا .
وَكَانَ زَعِيمُ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . ثُمَّ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِ تَلَامِيذُهُ ، وَأَشْهَرُهُمْ
عَلْقَمَةُ النَّخَعِيُّ ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ، وَعَلَيْهِ تَخَرَّجَ أَئِمَّةُ هَذَا الْمَذْهَبِ .
17 - لَيْسَ مَعْنَى أَنَّ مَدْرَسَةَ
الْحِجَازِ كَانَتْ مَدْرَسَةَ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ
بَيْنِ فُقَهَائِهَا مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى الرَّأْيِ فِي كَثِيرٍ مِنْ
اسْتِنْبَاطَاتِهِ ، فَقَدْ عُرِفَ فِي هَذَا الْعَهْدِ مِنْ
الْحِجَازِيِّينَ
رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، الْمَشْهُورُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ ، وَهُوَ شَيْخُ
الْإِمَامِ مَالِكٍ . كَمَا كَانَ فِي
الْعِرَاقِ مَنْ يَكْرَهُ الْأَخْذَ بِالرَّأْيِ
كَعَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الْمَشْهُورِ بِالشَّعْبِيِّ .
-
ص
29
- 18 - لَيْسَ مَعْنَى الْمَدْرَسَةِ فِي كَلَامِنَا هَذَا مَا هُوَ
مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا مِنْ مَبْنًى خَاصٍّ ، أَوْ مَكَانٍ أُعِدَّ
لِلدِّرَاسَةِ ، بَلْ الْمُرَادُ بِالْمَدْرَسَةِ الْتِزَامُ اتِّجَاهٍ
خَاصٍّ وَمَنْهَجٍ مُتَمَيِّزٍ ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ
الْجَامِعَةُ فِي الْجُمْلَةِ هِيَ مَكَانُ تَجَمُّعِ الْعُلَمَاءِ ،
وَفِيهَا حَلَقَاتُ التَّدْرِيسِ . عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي هَذَا
الْعَهْدِ كَانُوا يُفْتُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَطُرُقِهِمْ .
19 - وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ أَكْثَرَ حَمَلَةِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْعَهْدِ كَانُوا مِنْ الْمَوَالِي ، فَفِي
الْمَدِينَةِ كَانَ
نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَفِي
مَكَّةَ كَانَ عِكْرِمَةُ مَوْلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَفِي
الْكُوفَةِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى
بَنِي وَالِبَةَ ، وَفِي
الْبَصْرَةِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ ، وَفِي
الشَّامِ مَكْحُولُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أُسْتَاذُ
الْأَوْزَاعِيِّ ، وَفِي
مِصْرَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَهُوَ أُسْتَاذُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إِمَامِ أَهْلِ
مِصْرَ . . . وَكَثِيرٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَوَالِي .
وَكَانَ هُنَاكَ عَرَبٌ خُلَّصٌ تَفَرَّغُوا لِلْعِلْمِ فِي هَذَا الْعَهْدِ
كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ
وَعَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ .
وَكَانَتِ الْغَلَبَةُ فِي الْعِلْمِ فِي بَعْضِ الْأَمْصَارِ
لِلْعَرَبِ ،
كَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ ، وَفِي الْبَعْضِ الْآخَرِ لِلْمَوَالِي
كَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ ،
وَالشَّامِ وَمِصْرَ ، مَعَ اخْتِلَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، وَأَخْذِ بَعْضِهِمْ عَنْ
بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ غَضَاضَةٍ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ نَزَعَ مِنْ
قُلُوبِهِمْ عَصَبِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ - فِي هَذَا الْعَهْدِ - كَانَ مِنْ الْمَوَالِي . وَلِهَذَا أَسْبَابٌ :
أ - أَنَّ
الْعَرَبَ كَانُوا - يَوْمَئِذٍ - حَمَلَةَ السَّيْفِ وَقَادَةَ الْجُيُوشِ ؛
لِأَنَّهُمْ مَعْدِنُ الْإِسْلَامِ ، وَهُمْ عَلَيْهِ أَغْيَرُ ،
فَشَغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنْ التَّفَرُّغِ لِلْعِلْمِ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا
.
ب - أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَوَالِيَ نَشَأُوا فِي بِيئَاتٍ لَهَا
حَضَارَتُهَا وَثَقَافَتُهَا ، وَأَرَادُوا أَنْ يُسْهِمُوا بِجُهُودِهِمْ
فِي نُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ الَّذِي اعْتَنَقُوهُ طَائِعِينَ مُخْتَارِينَ
. وَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ السَّيْفِ ، فَلْيَنْصُرُوا هَذَا
الدِّينَ بِالْقَلَمِ .
ج - حَرَصَ سَادَتُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِمْ حَتَّى
يَحْمِلُوا عَنْهُمْ أَمَانَةَ مَا حَمَلُوا مِنْ الْعِلْمِ ، فَهَذَا
نَافِعٌ مَوْلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَلَّمَهُ وَهَذَّبَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ وَعَنْ
-
ص
30
- كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
أُمِّ سَلَمَةَ ، وَقَالَ فِيهِ
ابْنُ عُمَرَ : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا
بِنَافِعٍ .
وَهَذَا
عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَدْ مَاتَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ عَلَى الرِّقِّ ، فَبَاعَهُ
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لِخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَارٍ ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ
لِعَلِيٍّ : بِعْتَ عِلْمَ أُمَّتِكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ ، فَاسْتَقَالَ
عَلِيٌّ خَالِدًا مِنْ بَيْعَتِهِ ، فَأَقَالَهُ ، فَأَعْتَقَهُ .
وَهَذَا
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ سَيِّدُ التَّابِعِينَ ، نَشَأَ فِي بَيْتِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ السَّيِّدَةِ
أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَحَسْبُك هَذَا فَضْلًا .
د - إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَوَالِيَ لَازَمُوا سَادَتَهُمْ مِنْ كِبَارِ
الصَّحَابَةِ فِي حِلِّهِمْ وَتَرْحَالِهِمْ ، فَكَانُوا أَعْرَفَ النَّاسِ
بِسِرِّ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ وَعَلَانِيَتِهِمْ ، فَنَقَلُوا ذَلِكَ
لِلْأُمَّةِ .
20 - يُعْتَبَرُ هَذَا الْعَهْدُ - فِي الْجُمْلَةِ - امْتِدَادًا
لِعَهْدِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ تَدْوِينِ شَيْءٍ سِوَى
الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، اللَّهُمَّ إِلَّا النَّزْرَ الْيَسِيرَ كَمَا
تَقَدَّمَ ، كَمَا لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ هَذَا
الْعَهْدِ أَنَّهُ بَنَى رَأْيًا عَلَى نَظَرِيَّةٍ قَانُونِيَّةٍ
بَعِيدَةٍ عَنِ الْمَصَادِرِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ ، وَإِلَّا
فَلْيَدُلَّنَا هَؤُلَاءِ الْمُشَكِّكُونَ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ
لَيْسَ لَهَا مَصْدَرٌ شَرْعِيٌّ ، مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي أُثِيرَتْ
فِي هَذَا الْعَهْدِ .
وَالْمَسَائِلُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْأَعْرَافِ خَاضِعَةٌ
لِلْمِيزَانِ الشَّرْعِيِّ ، فَإِنْ رَدَّ الْإِسْلَامُ عُرْفًا
مِنْهَا فَلَا قِيمَةَ لَهُ ، وَالْأَخْذُ بِهِ ضَلَالَةٌ ، وَإِنِ
اعْتَبَرَهُ أُخِذَ بِهِ ، لَا عَلَى أَنَّهُ عُرْفٌ وَلَكِنْ عَلَى
أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ عَلَى النَّصِّ ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ كَانَ الْأَخْذُ
بِهِ أَوْ رَدُّهُ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَصْلَحَةِ .
21 - وَبِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ كَانَتْ فِيهِ فِتَنٌ
كُبْرَى إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْفِتَنَ كَانَ تَأْثِيرُهَا يَكَادُ
يَنْحَصِرُ فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ .
22 - وَبِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ كَانَ مُعَاصِرًا
لِعَهْدِ الْأُمَوِيِّينَ ، وَالْخُلَفَاءُ فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ
يَتَفَاوَتُونَ فِي سِيَاسَتِهِمْ بَيْنَ اللِّينِ وَالشِّدَّةِ
وَالتَّوَسُّطِ بَيْنَهُمَا ، إِلَّا أَنَّ الْكُلَّ كَانَ حَرِيصًا عَلَى
أَلَّا يَرْتَكِبَ كُفْرًا بَوَاحًا ، وَمَنْ فَعَلَ مِنْهُمْ شَيْئًا
قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ
-
ص
31
- فَقَدْ جُوبِهَ بِالْإِنْكَارِ . وَكَانَ أَهْلُ
الْفِقْهِ فِي هَذَا الْعَهْدِ يُرَاسِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَيُنَاظِرُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَيَنْزِلُ بَعْضُهُمْ عَلَى رَأْيِ بَعْضٍ ،
اتِّبَاعًا لِلْحَقِّ ، فَإِنَّ هَذَا الْقَرْنَ قَدْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْرِ ، فَقَدْ صَحَّ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : «
خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ »
. وَلَا يَضُرُّ الْأُمَّةَ أَنْ يَشِذَّ مِنْهَا شَاذٌّ أَوْ يَخْرُجَ
عَلَى صُفُوفِهَا خَارِجٌ ، إِذَا كَانَتْ - فِي جُمْلَتِهَا - تَسِيرُ
عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ .
الطَّوْرُ الرَّابِعُ : عَهْدُ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَكِبَارِ تَابِعِي التَّابِعِينَ :
23 - يَكَادُ هَذَا الطَّوْرُ يَبْدَأُ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ
الْأَوَّلِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَأَوَائِلِ الْقَرْنِ الثَّانِي ، وَيُمْكِنُ
أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ عَهْدِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
وَكَمَا قُلْنَا : لَيْسَ هُنَاكَ حُدُودٌ زَمَنِيَّةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ
تِلْكَ الْأَطْوَارِ ، فَهِيَ مُتَدَاخِلَةٌ يَتَلَقَّى الْخَلَفُ مِنْهَا
عَنْ السَّلَفِ .
وَيَتَمَيَّزُ هَذَا الطَّوْرُ بِأَنَّهُ قَدْ بُدِئَ فِيهِ بِتَدْوِينِ
السُّنَّةِ مُخْتَلِطَةً بِفَتَاوَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ،
وَذَلِكَ بِأَمْرٍ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ ، بَعْدَ أَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِهَذَا ، وَخَشِيَ
أَنْ تَضِيعَ السُّنَّةُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ،
وَأَنْ تُصْبِحَ طَيَّ النِّسْيَانِ مَعَ تَوَالِي الْأَزْمَانِ ، وَذَلِكَ
بَعْدَ أَنْ زَالَتِ الْعِلَّةُ الَّتِي خُشِيَ مَعَهَا أَنْ يَخْتَلِطَ
الْقُرْآنُ بِغَيْرِهِ . فَقَدْ حُفِظَ الْقُرْآنُ فِي الصُّدُورِ
وَالسُّطُورِ ، وَأَصْبَحَ حَفَظَةُ الْقُرْآنِ بِالْآلَافِ ، وَلَا
يَكَادُ يُوجَدُ بَيْتٌ مُسْلِمٌ إِلَّا وَفِيهِ مُصْحَفٌ ، فَأَمَرَ
حَمَلَةَ الْعِلْمِ فِي عَهْدِهِ بِأَنْ يُدَوِّنُوا مَا عِنْدَهُمْ مِنْ
سُنَّةٍ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، لِتَكُونَ مَرْجِعًا
يُرْجَعُ إِلَيْهِ ، وَنَمَاذِجَ يَهْتَدِي بِهَا الْمُجْتَهِدُونَ فِي
حَلِّ مَشَاكِلِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ الْمُتَطَوِّرِ الَّذِي
تَتَوَالَى فِيهِ الْأَحْدَاثُ الَّتِي تَتَطَلَّبُ أَحْكَامَهَا
الشَّرْعِيَّةَ .
24 - وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ زَيْفُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُسْتَشْرِقِينَ مِنْ أَنَّ تَدْوِينَ
-
ص
32
- السُّنَّةِ كَانَ لِتَبْرِيرِ الْآرَاءِ الْفِقْهِيَّةِ ،
إِذْ التَّارِيخُ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْآرَاءَ الْفِقْهِيَّةَ وَالسُّنَّةَ
دُوِّنَتَا فِي عَهْدٍ وَاحِدٍ ، وَبَذَلَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمْعِهَا
جُهْدًا لَمْ تَبْذُلْهُ أُمَّةٌ فِي تَنْقِيحِ الرِّوَايَةِ
وَالتَّثَبُّتِ مِنْ صِحَّتِهَا .
25 - وَإِذَا كَانَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْعَهْدِ قَدْ بَدَءُوا
يَتَخَصَّصُونَ فِي مَنَاهِجِهِمْ وَاتِّجَاهَاتِهِمْ الْعِلْمِيَّةِ ،
فَمِنْهُمْ الْمُتَخَصِّصُ لِجَمْعِ اللُّغَةِ ، وَمِنْهُمْ الْمُتَخَصِّصُ
فِي آدَابِهَا وَتَارِيخِهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ اتَّجَهَ إِلَى
الِاشْتِغَالِ بِالْمَسَائِلِ النَّظَرِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ
بِالْعَقِيدَةِ ، كَالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ ،
وَرُؤْيَةِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّنَا نَرَى أَنَّ
الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ - فِي هَذَا الْعَهْدِ - كَانُوا
يُعْتَبَرُونَ مِنْ حَمَلَةِ السُّنَّةِ ، وَمُفَسَّرِي الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ ، مَعَ إِحَاطَتِهِمْ بِأَسْرَارِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ
بِالْقَدْرِ الَّذِي يُسَاعِدُهُمْ عَلَى اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ
الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ . وَلِهَذَا كَانَتْ
مَنْزِلَةُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْعَهْدِ مَنْزِلَةً مَرْمُوقَةً
يَحْسِبُ لَهَا الْحُكَّامُ أَلْفَ حِسَابٍ ، كَمَا أَنَّ الْعَامَّةَ
كَانُوا يُقَدِّرُونَهُمْ حَقَّ قَدْرِهِمْ ، وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ فِي
حَلِّ مَشَاكِلِهِمْ ، وَيَعْتَبِرُونَهُمْ مَصَابِيحَ هَذِهِ الْأُمَّةِ ،
بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ مَرَاكِزِهِمْ السِّيَاسِيَّةِ فِي الدَّوْلَةِ .
نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ :
الزُّهْرِيَّ وَحَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ شَيْخَ
أَبِي حَنِيفَةَ .
26 - وَفِي أَوَاخِرِ هَذَا الطَّوْرِ بَدَأَتْ تَظْهَرُ الْمَذَاهِبُ
الْفِقْهِيَّةُ الْمُتَمَيِّزَةُ . كَمَا أَنَّ هَذَا الطَّوْرَ شَهِدَ
تَطَوُّرَ التَّدْوِينِ ، فَبَعْدَ أَنْ كَانَ التَّدْوِينُ مُخْتَلِطًا
بَدَأَ يَأْخُذُ طَرِيقَ التَّنْظِيمِ ، وَكَانَ هَذَا الطَّوْرُ
تَمْهِيدًا لِلطَّوْرِ الْخَامِسِ ، وَهُوَ طَوْرُ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ
.
الطَّوْرُ الْخَامِسُ : طَوْرُ الِاجْتِهَادِ :
27 - وَيَبْدَأُ هَذَا الطَّوْرُ مَعَ بَدْءِ النَّهْضَةِ
الْعِلْمِيَّةِ الشَّامِلَةِ فِي الدَّوْلَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، مِنْ
أَوَاخِرِ عَهْدِ الْأُمَوِيِّينَ إِلَى نِهَايَةِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ
الْهِجْرِيِّ تَقْرِيبًا ، وَكَمَا قُلْنَا مِرَارًا وَتَكْرَارًا : لَا
يُمْكِنُ الْمُؤَرِّخَ أَنْ يَضَعَ حُدُودًا زَمَنِيَّةً مُعَيَّنَةً
بَدْءًا وَنِهَايَةً ، كَمَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ هَذَا
الطَّوْرَ يَتَنَاوَلُ عَهْدَ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ وَالْأَئِمَّةِ
الْمُنْتَسِبِينَ وَمُجْتَهِدِي الْمَذَاهِبِ وَأَهْلَ التَّرْجِيحِ .
كَمَا أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ يَتَنَاوَلُ عَهْدَ تَدْوِينِ الْمَذَاهِبِ
الْفِقْهِيَّةِ عَلَى الصُّورَةِ الْعِلْمِيَّةِ الدَّقِيقَةِ .
-
ص
33
- وَقَبْلَ أَنْ نَتَنَاوَلَ تَمْيِيزَ الْمُجْتَهِدِينَ وَطَبَقَاتِهِمْ
يَجِبُ أَنْ نُبْرِزَ أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ شَهِدَ مَوْلِدَ عِلْمٍ
جَدِيدٍ ، لَهُ اتِّصَالٌ وَثِيقٌ بِالْفِقْهِ وَهُوَ عِلْمُ أُصُولِ
الْفِقْهِ .